مروة السوري
انتقل من عالم الصحافة والفكر إلى العمل الثقافي والأهلي على الأرض، يتولى إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة" صاحبة التأثير البارز في الثقافة والفن، خاصة في السينما والمسرح. تولى رئاسة تحرير "مجلة الفيلم" التي تصدر، وخلفها تراث فني كبير من ستوديو ناصيبيان ثاني أقدم ستوديو في مصر الذي تأسس عام 1937 على يد الأرميني هرانت ناصيبيان، إذ شهد هذا الاستوديو تصوير 144 فيلما، هي علامات في عالم السينما المصرية. الناقد سامح سامي رئيس تحرير مجلة الفيلم يأتي من خلفية الصحافة الثقافية، إذ يتولى أيضا القسم الثقافي بجريدة الشروق، كما أنه عمل في جرائد عدة بأقسامها الثقافية، مثل الحياة ووطني والقاهرة ، أنه الناقد الفنى سامح سامى رئيس تحرير مجلة الفيلم ومدير جيزويت القاهرة .
حيث أكد "سامح سامى" على تراجع الصحافة المصرية لمسارها، نتاج عوامل سياسية واقتصادية ، إبرزها أن الصحافة المصرية بلا إستثناء- قومية وخاصة- لا تهتم بالصفحات الثقافية والفنية، خاصة في السينما والمسرح، فضلا عن اختفاء المطبوعات الثقافية التي كانت منتشرة في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين. توجد محاولة هنا وهناك لإصدار مطبوعة متخصصة في السينما إلا أنها في النهاية لا تستمر، مثل مجلة "الفن السابع" للفنان محمود حميده.
فـ رؤساء التحرير أو رؤساء مجالس إدارات الصحف المصرية تعتقد الثقافة والفن في المرتبة العاشرة، لذلك تؤجل صفحات الثقافة في سبيل نشر صفحة حوادث أو صفحة رياضة. فالصحفيون لا ينظرون إلى الثقافة باعتبارها هي ركيزة عملهم لما تحملها من قيم التنوير .
وأشار إلى تحمس جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة" لإصدار مطبوعة متخصصة في ثقافة السينما وفن الصورة، وهذا بفضل الناقد حسن شعراوي مدير نادي سينما الجزويت. وكانت الجمعية مشغولة بحل أسباب تلك الأزمة، خاصة أن أزمة الصحافة الفنية والثقافية ورائها تدني التعليم وإنحدار الثقافة السينمائية .
لذلك عمل الجيزويت على رفع الذوق الفني قدر المستطاع، من خلال تتبع تجارب الشعوب في إنتاج أفلام تعبر عن هموم الناس، وتهتم بالسينما التي تنشد التغيير والوعي والتنوير، خاصة بعد هيمنة متوحشة للسينما التجارية، فيما بقيت السينما الجادة (ذات الدور التنويري) تكافح لإيجاد موطئ قدم في سوق السينما المصرية، الذي بدا من جهته طاردا لهذه النماذج من السينما الجادة، أو السينما المستقلة (إذا جاز ذلك التعبير)، تماما كما بقيت هذه السينما "المستقلة أو البديلة"عاجزة جدا، على المنافسة عبر شباك التذاكر أو حتى بإقبال الجمهور بعيدا عن ذلك الشباك.
وهذا لعيب فيها هي، ولعدم قدرتها- البعض منها للدقة- على صياغة أفكارها بشكل واضح وصريح عما تريد وكيف، متصورة أن لفظ المستقلة يعني "الاستقلال" حتى عن هموم البشر والمجتمع. فأصبحت تتناول "اللاشيء"، وتقدم تجارب ذاتية ربما تصلح لكل زمان ومكان، وليس- للأسف- تجارب تخص هموم المجتمع المصري وقضاياه.
فصار أمام هذا النوع من السينما المستقلة أن تكتفي بالاعتبار والتقدير في المهرجانات والعروض الثقافية، الأمر الذي يعني الاتجاه نحو الضمور وهذه إشكالية كبرى نحاول في مجلة الفيلم لفت نظر صناع الأفلام إليها، عبر الكتّاب المشاركين معنا في المجلة، خاصة أن المجلة الآن تستكتب بعض الأكاديميين المتخصصين في السينما، فيقدمون ما يعرف بـ"الصحافة البحثية" الجادة.
فما تقدمه جمعية النهضة بفضل الأب وليم سيدهم اليسوعي الأب الروحي للجمعية ورئيس مجلس الإدارة يكمل ما تقوم به وزارة الثقافة، هناك تكامل وتعاون، وليس صراع. الثقافة لا تعرف صراع الأنشطة. الشباب يقبل على الجزويت؛ لأنها تعطيهم المساحة الحرة وتمكنهم من امتلاك أدواتهم للتعبير عن قضاياهم ومشاكلهم. الشباب يعتقد- وهذا صحيح- أنه يمتلك المكان. جمعية النهضة العلمية والثقافية تقوم في الأساس أستنادا إلى فلسفة باولو فيريري ومن نهج وقرار الجيزويت منذ عام 1995 باتخاذ خطوات أكثر تطورا في التغيير، والتمكين من خلال الثقافة والفنون عن طريق ولوج مجالات جديدة كالصورة والسينما بعد إحراز تقدم في عالم النشر والترجمة والمطبوعات الفلسفية. وهي رؤية تعتمد على التعبير عن واقع المجتمع من خلال تمكين أفراده، وبخاصة الأقل حظا في امتلاك أدوات التعبير عن واقعهم، وعن أحلامهم وطموحاتهم واحتياجاتهم.
فـ الأزمة الأولى التي تواجه السينما المصرية أنها لا تهتم بالفكرة، فلا تلتفت إلى الوعي ولا تهتم بالتعبير عن قضايا الناس في مصر. أؤكد أن هناك استثناءات سينمائية بديعة. لكن لا تشكل تيارا، ولا تخلق حالة سينمائية متفردة في مصر، بل هي جهد هنا، وجهد هناك. وتلك الاستثناءات هي التي يمتدحها نقاد السينما، ويركزون عليها دوما. أتحدث هنا عن سينما في مصر حدثت لها قطيعة معرفية كبرى بالسينما المصرية، التي كانت رائدة ومجددة. أتحدث عن واقع سينمائي حادث الآن يقف عند حافة المنحدر، وليس في المنحدر ذاته. ولننظر إلى تمثيل السينما المصرية في المهرجانات العالمية. الواقع السينمائي للأسف يهتم بتقنيات جمالية، ربما تكون مبهرة، دون الاهتمام بالفكرة، بعصب الفيلم، بالحبكة، يهتم بـ”رص” النجوم في أفيش فيلم باهت، لا يقول شيئا، ولا يتذكره المشاهد فور خروجه من العرض. الواقع السينمائي، مثل بقية المجالات أيضا هو جزء من مجتمع أكله السوس، عبر زمان ممتد من التجريف المعرفي. واقع سينمائي محكوم بفكر غير مستنير، بتعليم رجعي، برقابة ذاتية وإدارية، باقتصاد تجاري نفعي لا يؤمن بمسئوليته الاجتماعية، بمثقفين لا يعرفون دورهم (غير مستقلين.. يميلون دوما للسلطة)، بمناخ ومجال عام لا يشجع على الإبداع إلا فيما ندر. نهضة السينما تأتي حينما تجدين نوادي سينما في كل محافظة، حينما تجدين مطبوعات سينمائية كثيرة تهدف إلى تثقيف الناس سينمائيا، حينما تجدين أن صناع الأفلام المستقلين ينتجون أفلاما غير مملة، وحينما تجدين السوق التجارية تنتج أفلاما فيها جمال وصورة مبهرة وفنية وليس مجرد استكشات باهتة سخيفة.